تأثير الثقافة العربية على الثقافة الأوروبية
لقد تعلّق الأوروبي بألف ليلة وليلة في ذلك الجانب المتعلّق بمواضيع الجنس والحب والعنف والخداع والغرابة...إلخ وكانت هذه المواضيع الأكثر حضورا في المخيلة الأوروبية العامة عن الشرق وعن الشرقي. وأصبحت صور الملوك والنساء والخلفاء والوزراء التي امتلأت بها قصص شهرزاد بمثابة نماذج وانماط تتكرر في أعمال الأدباء الأوروبيين المستشرقين منهم أساسا.
كانت الرومانسية في المقابل تقوم على (( تغليب الخيال على الواقع، والاعتماد على العاطفة الشخصية والبحث عن الغموض والوسواس والتأمّل المجنّح والاغرابية exotisme للبحث عن عالم جديد غريب بتقاليده وبمظاهر الحياة فيه ))[i]، وهي ذات القيم التي وجدها الفنان الأوروبي متجسّدة في صورة " الشرق "، التي تُحفّز المخيّلة، باعتبار الشرق فضاء منغلقا على أسراره الخفيّة، التي تُغري بالمغامرة والاستكشاف.
وعلى صعيد المنتوج الأدبي والفني، كان لهذه الاتصالات الأثر البالغ على الفن الأوروبي، حيث برز الموتيف الشرقي كمظهر لحداثة الأعمال الفنية والأدبية، كما تجلّت في أعمال غوته ( Goethe )، وشيلر ( Schiller )، وشيلي ( Shelly)، وبايرون (Byron)، وهوغو ( Hugo )، ودولاكروا ( Delacrois)...إلخ. كما تجسّد الشرق في مسرحيات راسين ( بايزيد )و ( روكسانا )، ومسرحية كورناي ( السيد )، ومسرحيات موليير ( سليمان آغا ) و ( البرجوازي النبيل )...إلخ، وقد اختلفت مواقف هؤلاء حول الشرق بين مُعجب بعظمة الآداب الشرقية وحضاراتها ( غوته )، وبين مُنقص لقيمتها ومنتقد لها ( موليير ).
الأزياء الشرقية في عالم الفن الأوروبي:
في سنة 1714 نشر السفير الفرنسي شارل دي فيريول كتابا يضم نماذجا من الأزياء الشعبية في الامبراطورية العثمانية مرفوقة برسومات الفنان جون – بابتيست فانمور. كانت مهمة فانمور هو رسم نماذج من الأزياء التركية بطلب من الجالية الأوروبية، والتي كانت تمثل موضة ذلك العصر.
كانت حياة القصور التركيةتغري مخيلة الأوروبيين، خاصة وأنها كانت حياة يلفها الغموض والسرية.
الكثير من الرسامين الفرنسيين ولعوا برسم الحياة العثمانية على الرغم من أنّ أغلبهم لم يزر الشرق قط. ومن بين اللوحات الفنية التي أثارت اهتمام الوسط الفني لوحة "سعيد محمد باشا" التي رسمها "جاك آفيد"، هذا الأخير، وبسبب هذه اللوحة ذاع صيته، وأصبح مطلوبا من قبل الطبقة الأرستقراطية ( ص06) ليخلد نبلاءها برسومات على الطريقة الشرقية.
كان الرسام جان إتيان ليوتار احد الرسامين الأوروبيين الذين سافروا إلى الشرق، وتخصصوا في رسم الأوربيين في ازياء تركية.
عالم الحريم والفن:
كان تصوير النساء الشرقيات في مخادعهن الموضوع الأكثر انتشارا في لوحات المستشرقين.
كان الفضاء – الموضوع هو " الحرملك" وهو " تحديدا منطقة يُحظر على الرجال الغرباء دخولها، وهذا ما اطلق العنان لمخيلة الفنانين". (ص21)
لقد اعتمد الفنانون على أسلوبين: ابراز الطابع الشهواني للفضاء، وابراز الطابع العائلي الحميمي.
اشتقت كلمة " الحرملك" من اللفظة العربية " حرام" أي ما هو غير شرعي، وفي الثقافة الإسلامية يعني الحرملك ذلك الجزء من البيت المخصص للنساء، والذي يحرم على الرجال الاجانب دخوله. لقد اكتسب ذلك الجزء تلك الحرمة من نظرة المجتمع الإسلامي للمرأة.
الحريم: تشير الكلمة إلى " قاطني "الحرملك"، وهن من النساء من الزوجات والاطفال والخادمات، ولم يكن يسمح للدخول إلا للمحنثين من الذكور.
أحد الأوربيين " إدموند دو اميغو" (1875) كتب عن هذا الفضاء وسكانه الخفيين " سمعنا وقع أقدام، وأصوات أفراد لم نرهم. ومن فوقنا وحولنا، كانت الحياة الخفية تمضي قُدما لافتة انتباهنا إلى اننا حقا بين جدران، رغم كوننا في الحقيقة خارج المنزل؛ كما لو أنّ جمال وروح العائلة قد اتخذا ملجأ لهما في ذلك الفضاء الذي لا يمكن اختراقه، والذي كنا نحن انفسنا مجرد عرض مسرحي فيه، وبقي المنزل لغزا غامضا". ( ص22)
الحريم الأكبر: هو الحريم الملكي في "السراي التركي". يتراوح عدد النساء إلى 300 او أكثر من النساء، ويشمل الزوجات، الأمهات، البنات غير المتزوجات...إلخ (ص23)
لقد تنوعت موضوعات اللوحات بين رسم يوميات الألفة والوداعة بين نساء الحريم، وبين تصوير نساء الحرملك في صور خليعة.
لقد صورت نساء الحريم مدمنات على التبغ " وبحلول سبعينات القرن التاسع عشر، أصبح استخدام لفائف التبغ أمرا شائعا، وكان تدخين النرجيلة – المعروفة بالانكليزية باسم "هبل – ببل" [...] لافتا للنظر أيضا". ص27.
ومن أشهر اللوحات التي تبرز اهمية التدخين عند الشرقي لوحة " مدخّن الحشيش" لإميل برنارد 1900، تبين اللوحة استخدام المخدرات في الشرق.
من مواضيع هذه اللوحات ظهور الطيور، ومن انواعها الببغاء، اللقلق، الطاووس، ومن الحيوانات القرود، الغزلان، اما الكلاب فكانت لا تظهر في اللوحات لأنها ممنوعة وفقا للشريعة الإسلامية.
كما رسمت نساء الحريم وهن يعزفن على الآلات الموسيقية، منها المندولين. وكثيرا ما يرافق العازفات مجموعة من الراقصين وممثلي الايماء.
لقد صور عالم النساء كفضاء مغلق، غرف مغلقة، حدائق مسيجة، لكن في المقابل بعض الفنانين الايطاليين رسموا نساء شرقيات في الأسواق والبازارات؛ فقد صوّر "لورتي" في لوحته " جولة حول العالم" كيف أنّ السيدات السوريات في ثمانينيات القرن التاسع عشر كن يقضين ساعات في المحال التجارية" (ص34)
ومن بين الموضوعات الأخرى، رسم نساء شمال إفريقيا يستحمن في الانهار، أو البرك او الوديان، ومن بين الرسامين "ايتيين دينيه " الذي كان مولعا برسم نساء سيلعبن بسعادة في الماء، وهن في كامل عريهن.