Aperçu des sections

  • دروس منهجية البحث العلمي ماستر2 أدب السداسي الأول 2024

    • المقياس: منهجية البحث العلمي

      السنة الثانية ما ستر

      تخصص: أدب عربي حديث ومعاصر

      المعامل 02

      الأرصدة 03

      الحجم الساعي :1.30

      طبيعة المادة: أعمال موجهة

      يستهدف المقياس شريحة طلبة الماستر2 المقبلين على إنجاز مذكرة التخرج، لهذا فإنّ الهدف الأساسي للمقياس هو تهيئة الطلبة بالآليات اللازمة لأجل إنجاز مذكرة نهاية الدراسة الجامعية. يحرص المقياس على أن يكون عمليا لتمكين الطالب من التدرب على مختلف مراحل إنجاز المذكرة، منذ لحظة اختيار الموضوع إلى غاية الإخراج النهائي للمذكرة مرورا بمختلف المراحل الأخرى: بناء إشكالية البحث، وضع الخطة المبدئية للمذكرة، بناء مكتبة البحث بالمصادر والمراجع الأساسية، آليات تحرير المذكرة...إلخ

    • د. لونيس بن علي

      أستاذ محاضر قسم أ

      جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية

      كلية الآداب واللغات

      قسم اللغة والأدب العربي

      Lounis.benali@univ-bejaia.dz

    •  

      1 – شروط البحث والباحث والمشرف.

      2-اختيار البحث (الإشكالية، العنوان).

      3-إعداد خطة البحث.

      4-جمع المادة العلمية.

      5-تصنيف المادة العلمية.

      6-الخطة التفصيلية.

      7-التحرير وآلياته.

      8-التهميش.

      9-إخراج البحث.

      10-صفحة العنوان.

      11-المراجعة.

      12-الطبع.

       

       

       

       

       

    • المنهج والعلم في دراسة الأدب: حدود العلاقة ومآزقها الممكنة.

       

      عادة ما نتعامل مع البحث العلمي في بعده الشكلي والتقني؛ كأن نقدم للطلبة ما الذي يجب أن يقوموا به لأجل كتابة بحث جيد، من الغلاف وصولا إلى الفهرس والملخص آخر المذكرة. لكن الغائب في كل ما يُقدّم لهم هو المداخل الابستيمولوجية أو الإشكاليات المعرفية الكبرى التي طرحها المفكرون والفلاسفة والعلماء ودارسو الأدب منذ أن بدأت فكرة تطبيق المناهج العلمية في الدراسات الإنسانية.

      ينبغي بداية أن نعرف تاريخ العلاقة بين العلوم الإنسانية والمناهج العلمية، وما هي أهم القضايا التي ناقشها المفكرون والفلاسفة. أما عن الأسئلة التي قد يطرحها أي باحث في هذا السياق: متى بدأت فكرة المناهج العلمية تغزو الدراسات الإنسانية، والأدبية على نحو خاص؟ وهل نجحت تلك المناهج في تطوير هذه الدراسات؟ وكيف يُمكن التوفيق بين الأدب والعلم من منظور هذه المناهج العلمية؟

      أهمية مثل هذه المداخل الإشكالية تكمن في أنها تخلق السياقات المناسبة لطرح الأسئلة الأساسية، والسؤال هو محرّك المعرفة، وكما قال الفيلسوف الألماني ( هانس جيورج غادامير): ((إنّ البحث الذي لا يثير مشكلات (إبستيمولوجية) خاصة فهو غير جدير بالتشجيع)).[1]

      والبحث العلمي هو في أساسه وضع المعرفة أمام السؤال والشكّ، لأنّ الحقيقة ليست معطى مباشر، تنزل من جهة غيبية مثل الوحي أو الإلهام.

      المنهج العلمي والحقيقة في العلوم الإنسانية:

      لا تخلو الإجابة عن هذا الإشكال دون الاعتماد على مبدأ المقارنة بين العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية.

      سنبدأ أولا بطرح مجموعة من الأسئلة:

      1. أيّ نوع من المعرفة تبحث العلوم الإنسانية؟
      2. هل المنهج العلمي هو أساس بلوغ الحقيقة في العلوم الإنسانية؟ أم أن هناك عناصر غير علمية تدخل في إنتاج المعرفة؟
      3. أين يكمن الطابع العلمي في العلوم الإنسانية؟

      كان (غادامير)، وغيره من الفلاسفة، قد طرح هذه الأسئلة وغيرها في كتابه الأهم (الحقيقة والمنهج)؛ ويُعدّ هذا الكتابُ من أهدمّ كتابين أو ثلاثة مما كُتب عن الفلسفة والدراسات الإنسانية في القرن العشرين، وقد ألّفه (غادامير) في الستين من عُمره، أي هو خلاصة خبرة طويلة في القراءة والتعليم والتفكير.

      أ – المنهج:

      عندما ظهر مفهوم (المنهج) كان الغرض منه هو التمييز بين (العلم) و (اللاعلم)، وفق آليات عديدة، منها آلية الشك. وقد ارتبط المنهج بمشكلة (تقدم العلوم) في القرن الثامن عشر، واعتبره الفيلسوف (كارل بوبر) أساسيا لتقدم المعرفة.

      تاريخيا، يُعتبر (فرانسيس بيكون) واضع أسس (التفكير العلمي الحديث) باعتماده على (المنهج التجريبي)؛ ويقوم هذا المنهج على ((التحقق التجريبي من المعلومات المجمعة، بتصنيفها ومقارنتها ببعضها البعض)).[2]

      ب -العلم:

      يُعرّف (العلمُ) بأنّه (المعرفة المنسقة) أو (المنظمة). يقوم على مبادئ جوهرية، وهي: الملاحظة، والتجربة. ويهدف إلى صياغة القوانين التي بها تتم تفسير الظواهر الطبيعية.

      ج-البحث:

      أما البحث فهو (الطلب) و (التنقيب) و (الاستقصاء) و (التفتيش). وهو ((استقصاء دقيق، يهدف على اكتشاف حقائق وقواعد عامة، يُمكن التحقق منها مستقبلاً)).[3]

      نلاحظ من خلال هذه المفاهيم أنّ تطور العلوم التجريبية والدقيقة جاء من خلال تطبيق المبادئ العلمية، التي مكنتها من بناء معارف كونية وقواعد عامة عن الظواهر الطبيعية المختلفة.

      وبالنظر إلى النتائج التي حققتها العلوم التجريبية، ظهرت الحاجة إلى نقل مناهجها إلى حقل الدراسات الإنسانية.  إذ كان التفكير العلمي والمنطقي، الذي رافق تطور العلوم الإنسانية في القرن التاسع عشر، محكوماً كليا بنموذج العلوم الطبيعية. كان الفيلسوف (جون ستيوارت ميل) من المفكرين الذين دافعوا عن إمكانية تطبيق "منطق الاستقراء" على العلوم الإنسانية / العلوم الأخلاقية.

      إلاّ أنّ العلوم الإنسانية كانت توصف بأنها "علوم غير دقيقة"، ما يجعل معنى لفظة "العلم" في سياق هذه العلوم يحمل "دلالة سلبية".

      لم يكن تاريخ العلوم الإنسانية على نفس وتيرة العلوم الطبيعية، فهو تاريخ متقطع، قد تحدث فيه طفرات معرفية من حين إلى آخر.

       لكن من الخطأ الاعتقاد بأن الاهتمام العلمي بالقضايا الإنسانية والإجتماعية هو وليد العصور الحديثة فقط،  بل على العكس من ذلك، فقد كان علم المجتمع في فترات من الأزمنة القديمة أكثر تقدما من العلوم الطبيعية، ونستشهد بالمرحلة اليونانية.

      لقد تطوّرت العلوم الإنسانية في العصر الحديث نتيجة لصعود النزعة العلمية وتأثرها بها، بحيث كانت العلوم الطبيعية والتجريبية والرياضية هي علوم نموذجية، نجحت في بناء نظاما علميا صارماً، وذات نجاعة في تفسير الظواهر الطبيعية، وصياغة قوانينها. وكان هدف هذه العلوم هو التحكم في الطبيعة والسيطرة عليها، والتنبؤ بها. يقول (صلاح قنصوه): ((وللعلم، على هذا النحو، صورتان كما يقول "برنال"، الأولى صورة "مثالية" يبدو فيها العلم معنياً بكشف الحقيقة وتأملها، ومهمته بناء صورة عقلية للعالم تلائم وقائع الخبرة. والثانية صورة "واقعية" تسود فيها المنفعة، وتتعين فيها الحقيقة وسيلة للعمل النافع، ولا تختبر صحتها إلا بمقتضى ذلك الفعل المثمر))[4].

      لقد تمثلت العلوم الإنسانية المناهج العلمية ومبادئها بهدف الوصول إلى الدقة التي بلغتها العلوم الدقيقة في بحوثها. ولو أنّ ذلك قد طرح إشكاليات عديدة، منها الاختلاف الجوهري بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، وهو اختلاف مجالاتهما وأهدافهما. فالمجال الذي تشتغل فيه العلوم الإنسانية هو مجال المعنى الذي يحتاج إلى التفسير والتأويل والفهم، وليس إلى صياغة القواعد والقوانين العلمية الدقيقة.

      تدرس العلوم الإنسانية الإنسان في أبعاده الاجتماعية والنفسية والتاريخية والثقافية والعاطفية لذا كان مجالها هو المعنى، الذي يستدعي الفهم لا التعرّف، والتأويل لا التحليل بالضرورة.

      ما هو موضوع "العلوم الإنسانية"؟ هو "التجربة" الإنسانية، وهي ذات منابع: فلسفية، فنية/جمالية، تاريخية. وهذه الأشكال من التجارب، تفوق قدرة "المنهج العلمي" على اختبارها. لا يمكن للمنهج العلمي تحليل أو تفسير هذه التجارب بهدف إنتاج معرفة / حقيقة عنها. هذا يعني بأنّ تجربة الفلسفة وتجربة الفن تبرزان الحدود التي يمكن أن يصل إليها المنهج العلمي.

      ما تقدمه العلوم الإنسانية هو نمط مختلف من المعرفة، مثلما هو الشأن بالنسبة للفلسفة. لا تهدف هذه العلوم إلى صياغة قانون عام وكلي عن الظاهرة الإنسانية، والسبب هو تغيّر هذه الظواهر بما يجعلها تتجاوز النظريات والقوانين.

      ما يشير إليه غادامير هو أنّ المعرفة في العلوم الإنسانية لا تستند إلى العقل فحسب، بل أنّ حدس الباحث (تحدث غادامير عن حدس الفنان) هو أقرب إلى روح المناهج العلمية. وهذا له ما يبرره من جهة أنّ موضوع البحث والذات الباحثة غير مفصولين. وكما أشار في جملة مهمة، فما نعرفه عبر التاريخ هو معرفتنا بذواتنا، وهي نتاج لهذا التاريخ، فاعلة ومنفعلة به.

      الفرق بين العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية، حسب لوسيان غولدمان، هو أنّ الظاهرة الطبيعية قابلة لأن تُصاغ في شكل قوانين كلية، بحكم أنها تتكرر. أما جوهر العلوم الإنسانية فهو الذات الفردية – التاريخية التي تنتج معرفتها من خلال مبدأ الاختيار؛ أي أنّ الذات الفردية ترجع إلى ما يخدمها ويتوافق مع مصالحها وذائقتها وقيمها. بالإضافة إلى ذلك، فالواقع الإنساني – التاريخي يتغير من عصر إلى عصر، ومعه تتغير الأذواق والقيم.



      [1] )- هانس جيورج غادامير، فلسفة التأويل، تر : محمد شوقي الزين، ص166.

      [2] )- نفوسي لمياء مرتاض، إشكالية التنظير في العلوم الإنسانية، دار المناهج للنشر والتوزيع، دط، 2020، 67.

      [3] )- محمد بابا عمي، مقاربة في فهم البحث العلمي، دار وحي القلم، ط01، 2014، ص50.

      [4] )- صلاح قنصوه، الموضوعية في العلوم الإنسانية، دار التنوير بيروت، ط01، 2007، ص17

    • البحث / الباحث / المشرف

       

      تتوقف جودة أي بحث علمي بمدى التزام الباحث بشروط البحث؛ سواء التي تتعلق بطريقة إنجاز البحث أو تلك المتعلقة بطريقة التعامل مع المادة المعرفية وفق إطار منهجي، يبدأ بطرح الأسئلة الجادة وتنتهي ببلوغ الأهداف العلمية.

      مفهوم البحث العلمي:

      هو التقصي المنظم للمعارف للتأكد من صحتها أو نقدها. ومن خلال هذا التعريف الموجز، نستخلص عنصرين أساسيين يميزان البحث، وهما:

      -         التقصي: وهو الجهد الذي يبذله الباحث لبلوغ أهدافه المعرفية، وهو يتفرع إلى: جهد ذهني، وجهد نفسي، وجهد بدني.

      -         التنظيم: وهو وضع هذا الجهد ضمن إطار منهجي، منذ لحظة اختيار الموضوع إلى غاية مناقشته.

      وبالنسبة للباحث المبتدئ، يُشترط عليه بالأساس احترام الإطار المنهجي العام للبحث، فهو غير مطالب، مثلا، ببحث يناقش الأفكار والنظريات ويجدد في الأطاريح والمقاربات.

      خصائص البحث العلمي:

      -         يجب اعتبار البحث العلمي وسيلة وليس غاية في ذاته؛ إنه أداة لاكتشاف الحقائق أو لتوسيع مدارك الإنسان، والدفع بعجلة التفكير نحو آفاق جديدة.

      -         الحرص على الدقة في البحث، بدءا من حسن اختيار الموضوع وإشكاليته، والدقة في صياغة العنوان، واللغة الاصطلاحية الدقيقة التي تتجنب التعبيرات الفضفاضة والعامة، والدقة في ضبط عناصر البحث وخطته.

      -         توخي الموضوعية، والذي يعني تجنب الأهواء والعواطف والميولات الأيديولوجية. لكن في هذه النقطة بالذات، يمكن أن نفتح قوسا للنظر في حضور الذاتية في الدراسات الأدبية، ونتساءل: هل يتعارض ذلك مع مزاعم الموضوعية؟ خاصة وأنّ الباحث يتعامل مع عمل أدبي، ومع قضايا فنية ذات صلة بالذائقة وبالعواطف والأفكار، وهي عناصر يصعب ضبطها داخل القالب الموضوعي.

      -         يتميز البحث العلمي بنزعته نحو طرح الأسئلة، وإعادة النظر في المعارف السابقة، وعدم التسليم بالحقائق؛ لهذا يفترض على البحث أن ينطلق من نقد البحوث السابقة، حتى يبني لنفسه موقعا غير الذي قد بلغه باحثون سابقون، وإلا ما الفائدة من تكرار نفس ما قاله السابقون؟

      أركان البحث العلمي:

      -         الشكل: يتعلق الأمر بالتنظيم الهيكلي للبحث: العنوان، الخطة، الأبواب، الفصول، المقدمة، الخاتمة، الفهرس، قائمة المصادر...إلخ.

      -         المنهجية: طريقة إنجاز البحث، وخطواته.

      -         الموضوع: المادة المعرفية.

      الباحث:

      يجب أن نفرق بين الطالب والباحث؛ فالطالب هو الذي يكتفي بالتحصيل المعرفي بغرض الحصول على علامات جيدة، أما الباحث فهو الذي لا يكتفي بالتحصيل المعرفي، بل يتعداه إلى الاجتهاد لأجل استقصاء المعرفة ذاتيا.

      -         على الباحث أن يحدد أهدافه البحثية بدقة ووضوح، ويعرف ما الذي يبحث عنه، وماذا يريد من هذا البحث. ويبدأ من اختيار الموضوع، وتحديد إشكاليته بشكل جيد.

      -    أن يمتلك الباحث روحا مبدعة، وهذا يفترض وعيا سليما بقيمة الحرية؛ فالحرية الجامعية لا تعني أن يفعل الطالب ما يشاء في الجامعة، فيتخلص من قواعد الاحترام، ويأتي إلى الجامعة بلباس غير لائق، وقد لاحظنا أن الكثير من الطلبة لم يعودوا يحملون محافظا، فيدخلون قاعات الدرس كأنهم جاءوا لأجل النزهة. في حين أنّ الحرية المقصودة هي الحرية في التفكير والإبداع التي تمكن الطالب من إبداع الأفكار ونقدها.

      -    حب الاطلاع وامتلاك ثقافة القراءة، لأنّ جوهر البحث هو القراءة بالأساس، وأهم مرحلة فيه هو جمع المصادر والمراجع وامتلاك النفس لقراءتها وتوظيف تلك القراءات في بحثه.

      -    التحلي بأخلاق البحث، وعلى رأسها احترام الوسط الجامعي، والأمانة العلمية في نقل المعلومات، وعدم سرقة جهود الآخرين.

      المشرف:

      هو الأستاذ الجامعي الذي يؤطر البحث، وتنص أنظمة الجامعة إلى تخصيص مشرف واحد على البحث. يجب أن يتمتع المشرف بسمعة طيبة في ميدان البحث والتأليف.

    • موضوع البحث/ عنوان البحث/ إشكالية البحث

       

      تمثّل مرحلة (اختيار موضوع البحث) المرحلة الجنينية في أيّ بحث جامعي، لأنّه يقترن بـ(المشكلة) البحثية التي يودّ الباحث حلّها.

      وموضوع البحث لا علاقة له بـ(مدونة البحث) التي قد تكون رواية أو ديوانا أو مسرحية أو نظرية نقدية؛ بل تعني القضية أو المسألة التي سيخوض فيها الباحث. ويتبلور الموضوع عبر السؤال المركزي الذي يطرحه الباحث، ويحاول الإجابة عنه، بالاعتماد على المصادر والمراجع، وبالاعتماد على المناهج المتاحة.

      أما (المدونة) فهي السند الذي يعتمد عليه الباحث لصياغة إجاباته المحتملة؛ قد يبحث الباحث في موضوع (المركزية الذكورية) مثلا في إحدى الروايات، والرواية التي سيختارها مدونة له، سيعتمد عليها كمرجعه الأساسي لاختبار فرضياته، والبحث عن الإجابات عن سؤاله المحوري عبر أحداث الرواية وشخصياتها وحواراتها...إلخ.

      مبدئيا، لا ينفصل موضوع البحث عن إشكاليته ولا حتى عن عنوانه، وهذا ما سنبينه في هذا الدرس.

      اختيار موضوع البحث:

      إنّ تحديد موضوع البحث يضمن للباحث بداية صحيحة وسليمة لبحثه؛ أما السؤال الذي يطرحه أي باحث مبتدئ فهو: من سيحدد هذا الموضوع؟ الباحث نفسه أم مشرفه؟

      المعمول به، وهو الذي يمثل مبدأ أساسيا في البحث، أنّ ما يحدد موضوع البحث هو الباحث نفسه. ويكون ذلك في شكل (هاجس معرفي) أو في شكل (أسئلة ذاتية) تبلورت بعد سلسلة من القراءات في مجال تخصصه.

      يفترض أنّ يكون الباحث قادرا على المبادرة انطلاقا من إحساسه بالمشكلات المعرفية التي تواجهه في مجال تخصصه؛ وتلك المشكلات هي في حد ذاتها بمثابة دوافع قوية لتوسيع مداركه. ذلك أنّ الخوض في أي بحث هو أولا تلبية لحاجة الذات للمعرفة أكثر، فكلما زاد اطلاعها تفاقمت الأسئلة وتكاثرت القضايا، وتعمق إحساسها بالجهل أيضا.

      يُمكن الاستعانة بالمؤطر أو المشرف أو بباحثين آخرين لمناقشتهم الموضوع وإثرائه بالملاحظات والتنقيحات، وهذا سيفيد الباحث كثيرا في بلورة الموضوع على نحو أفضل، قبل تسجيله في الإدارة.

      ثمة ملاحظة أساسية يجب التنويه بها وهي أنّ أساس البحث الجامعي هو امتلاك حس القلق المعرفي، وعدم أخذ المعارف باستسهال، دون إخضاعها للسؤال والفحص والنقد؛ وهو ما ينبغي على الباحث أن يقوم به اتجاه موضوعه، فهناك دائماً حقيقة غابت عنه، فهو يحتاج إلى آراء الآخرين. لكن للأسف، يحدث أن يُفرض على الطالب موضوعا ما، فلا يناقشه مع مشرفه، فيخوض فيه دون دراية بشعابه ومنعطفاته ومسالكه الوعرة، وقد يضيع أسابيعاً من الجهد قبل أن يكتشف أنّ الموضوع لم يفهمه، أو ربما قد يكتشف فيه خللا أو خللين، وحينها يكون الوقت قد فات لتدارك الخطأ.

      ما يجعل مرحلة (اختيار الموضوع) مرحلة حساسة وصعبة، هو كثرة عوامل الاختيار، ولا بأس أن نقسمها، إلى عامل ذاتية وعوامل موضوعية.

      العوامل الذاتية:

      • أن يختار الباحث الموضوع الذي يعكس توجهاته المعرفية والذوقية، وأن يكون منطلقه الأول هو رغبته الذاتية في البحث فيه. وإذا فُرض عليه أن يبحث في موضوع لم يختره هو، فيمكن تجاوز ذلك، بالقراءة حوله، بهدف خلق نوع من الألفة مع هذا الموضوع، وإدراك حدوده وطبيعة الإشكاليات التي يطرحها، وقد ينجح الباحث في ملء هذا الفراغ بينه وبين الموضوع المفروض عليه.

      ولا ننسى أنّ الذائقة تتدخل كذلك في اختيار الموضوع، خاصة إذا ارتبط بعمل أدبي أو نقدي؛ فهناك مثلا من الباحثين من يميلون إلى قراءة السرد، وآخرون إلى قراءة الشعر أو المسرح أو النقد مثلا؛ ومن المهم أن يحترم الباحث عامل الذوق الجمالي والفني كعامل في تحديد موضوع بحثه.

      • أن يختار الباحث موضوع بحثه ضمن إطار تخصصه الأدبي؛ بمعنى أن يعرف أين تنتهي قدراته المعرفية؛ فلا يخوض مثلا في مسائل فلسفية إذا كانت معارفه الفلسفية ضعيفة، أو إذا كان عقله لا يتوافق مع تفكيك الأحجيات الفلسفية.

      من المهم، إذن، أن يختار الباحث الموضوع الذي يتوافق مع مستواه المعرفي، فلا يخوض في مسائل هي أكبر منه، بداع التفاخر أمام زملائه. إنّ قيمة البحث لا تكمن في فخامة الموضوع أو تعقيده، بل في نتائجه ومدى تحقيقه لأهدافه المعرفية.

      • على الباحث أن يكون مُدركاً للصعوبات التي يمكن أن يواجهها باختياره لموضوع بحثه؛ مثلا، نتخيل طالبة ملتزمة دينيا، تكتشف بأنّ موضوع بحثها لا يتوافق مع التزامها الديني، كأنّ تكون الرواية التي ستحللها مليئة بالمشاهد الجنسية أو بالأفكار الإلحادية، وقد حدث أنّ طالبة توقفت عن إنجاز بحثها، بعد أن اكتشف أخوها أنّها تقرأ رواية لرشيد بوجدرة.

      صحيح أنّ منطق البحث يفترض عدم الخلط بين المعرفة والأخلاق الاجتماعية، لكن لا ننكر أنّ للمجتمع تأثير على تكوين الأفراد، والباحث هو فرد من المجتمع، وتتعقد الأمور بالنسبة للمجتمعات المحافظة.

      أضف إلى ذلك الصعوبات السياسية، فيمكن لموضوع ما أن يشكل تحديا سياسيا، وقد يورّط الباحث في مشكلات مع السلطة السياسية. إذ يكفي أن نذكر مثلا ما حدث لطه حسين بعد نشره لكتابه (في الشعر الجاهلي) أو ما حدث للمفكر المصري (نصر حامد أبو زيد) الذي تم تكفيره وتهديده بالموت بسبب أبحاثه في التأويل الديني.

      العوامل الموضوعية:

      • على الموضوع أن يتضمن قيمة معرفية، وتتحقق فيه الأصالة؛ فالأصل في البحث أنّه يساهم في تطوير المعرفة ضمن مجال التخصص، وأن يكون مفيدا في تنوير العقول، وتوسيع من دائرة الفهم. لقد قال غادامير أنّ أكبر رهان للباحث في العلوم الإنسانية هو أن يَفهم وأن يُفهِم في الوقت ذاته.

      بالإضافة إلى ذلك، أن يكون اختيار الموضوع بهدف الظفر بمكانة في سلم البحث الجامعي، ويكون البحث إضافة نوعية لما سبق من البحوث، وليس مجرد تكرار لما قيل سابقاً، فما الفائدة من إعادة طرح نفس الأفكار؟

      قد تتشابه موضوعات البحث، وهذا أمر طبيعي ووارد، لكن تختلف مستويات إدراك أبعادها، وطريقة معالجتها، وطبيعة أهدافها؛ فالذين يحكمون على بعض الأبحاث من تشابه عناوينها، بأنّ الموضوعات مطروقة، فقد وقعوا في خطأ فادح، إذ هم يسلّمون بأنّ موضع البحث ما إن يُبحث فيه في بحث واحد، فهذا معناه أنّ باب الاجتهاد فيه قد أُغلق نهائياً.

      • من بين العوامل التي تجعل الباحث يختار موضوعا ما هي توفّر المادة العلمية من المصادر والمراجع والمقالات؛ إذ على الباحث، خاصة إذا كان مبتدئاً أن يتحرى أولا إذا كان موضوع بحثه يتوفر على مصادر معرفية، وإلاّ فإنّ ندرة المراجع قد تعيقه أثناء البحث، لأنّ دور المراجع مهم جدا في توسيع مدارك الباحث حول موضوعه، كما أنّها تمده بما يحتاج إليه من معارف تذلل عليه المصاعب الممكنة.

      أحيانا، يتفاخر بعض الباحثين بأنّ موضوعاتهم جديدة، وأنّ لا أحد قد سبقهم إليها، لكن بمجرد أن يشرعوا في العمل سرعان ما يقفون أمام جدار عال. إنها مهمة العلماء والفلاسفة والمفكرين والمنظرين الأدبيين والنقاد الكبار الذين بإمكانهم أن ينتجوا معرفة جديدة ورؤى حداثية متجددة، ومع ذلك لا يفعلون ذلك إلا بعد أن يهضموا كل ما كُتب في مجال تخصصهم، فالجديد ليس حالة من الإلهام الروحي الذي ينزل على الباحث من السماء، بل هو نتيجة لتراكم كبير للقراءات قبل هضمها على نحو جيد، ليكون الباحث قادرا على اختراق المناطق المجهولة في حقله.

      وكخلاصة، سنورد ما قاله (أمبرتو إيكو) حول أهم القواعد لاختيار موضوع البحث:

      • أن يدخل الموضوع في دائرة اهتمام الباحث (أي أن تكون له علاقة بالامتحانات التي أداها وقراءاته وعالمه السياسي والثقافي أو الديني).
      • أن تكون مصادر البحث متاحة، أي أن يستطيع الدارس العثور عليها.
      • أن تكون المصادر التي يستند إليها الباحث سهلة الاستخدام أي في دائرة القدرات الثقافية للطالب.
      • أن يكون الإطار المنهجي للبحث في متناول يد الطالب وفي إطار خبرته.[1]

      عنوان البحث وعلاقته بموضوع البحث:

      العنوان هو عتبة كلّ بحث، ويكتسي أهمية قصوى في تحديد هوية البحث، من حيث موضوعه وإشكاليته وطبيعة المقاربة التي سيعتمد عليها، لهذا فإنّ الصياغة الجيدة للعنوان هي مرحلة حاسمة في البحث نفسه.

      ونظرا لأهمية "العنوان" قال (روبرت داي): ((إنّ الذين يقرأون النص الكامل للبحث هم في واقع الأمر أقل بكثير ممن يقرأون العنوان))[2].

       ولو أنّ العنوان قد يمرّ بمراحل أثناء صياغته؛ فهناك صياغة مبدئية عندما يتم تسجيل الموضوع، وقد يكتشف الباحث بعد الشروع في بحثه بضرورة التعديل لوجود خلل ما فيه.

      تتوقف صياغة العنوان على مدى فهم الباحث لموضوعه ولمشكلاته المعرفية،

      من مواصفات العنوان الجيد:

      • أن يكون قصيرا، وتجنّب الجُمل الطويلة، لاسيما تلك التي يكثر فيها حرف العطف، حتّى أنّ القارئ سيشعر أنه بصدد قراءة مجموعة من البحوث في بحث واحد.
      • أن يراعي الباحث الصياغة الجذابة.
      • أن يصاغ العنوان بكلمات واضحة، والعدول عن الصياغات المركبة والمعقدة.
      • أن يضم العنوان الكلمات المفتاحية للبحث.
      • أن يكون خاليا من الأخطاء الإملائية واللغوية.

      من هنا، نستخلص بأنّ العنوان الجيد هو ((وصف محتوى البحث في أقل عدد ممكن من المفردات في غير إسهاب أو اقتضاب)).[3]

      إشكالية البحث وآليات صياغتها:

      هناك علاقة عضوية بين موضوع البحث وإشكالية البحث، إذ يصبح الموضوع مشكلة بحث عندما نطرح سؤالا أو أسئلة حول هذا الموضوع.

      إشكالية البحث هي السؤال المركزي الذي يطرحه الباحث، والذي ينبغي عليه أن يبحث عن إجابة له.

      ولأجل تدقيق إشكالية البحث، اقترح "موريس أنجرس" أربعة أسئلة تفيد الباحث في تعريف إشكاليته:

      1. لماذا نهتم بهذا الموضوع؟
      2. ما الذي نطمح بلوغه؟
      3. ماذا نعرف إلى حد الآن؟
      4. أي سؤال بحث سنطرح؟[4]

      أما عن الخصائص التي يجب أن تتوفر في إشكالية البحث فهي كالتالي:

      1. أن تتفق إشكالية البحث بما يتفق وقدرات الباحث. فلا يخوض مثلا في الإشكاليات الفلسفية إذا كان لا يميل إلى الجدل الفلسفي.
      2. أن تعكس الإشكالية قضية ذات قيمة علمية، لا مجرد طرح السؤال لأجل السؤال.

      لا توجد إشكالية في البحث دون اقتراح فرضية، والفرضية، كما يعرّفها "موريس أنجرس" هي ((إجابة مقترحة لسؤال البحث، يمكن تعريفها حسب الخصائص الثلاثة الآتية: التصريح، التنبؤ ووسيلة للتحقق الأمبريقي)).[5]

      وسيكون البحث هو إجابة عن السؤال المركزي، واختبار بنجاعة ما طرحه الباحث من فرضيات.



      [1] )- يُنظر: أمبرتو إيكو، كيف تعد رسالة دكتوراه، تر: علي متوفي، المشروع القومي للترجمة القاهرة، دط، 2002، ص20.

      [2] ) – روبرت داي و باربرا جاستيل، كيف تكتب بحثا علميا وتنشره، تر:محمد إبراهيم حسين وآخرون، الدار المصرية اللبنانية، ط01، 2008، ص67.

      [3] )- روبرت داي و باربرا جاستيل، كيف تكتب بحثا علميا وتنشره، مرجع سابق، ص67.

      [4] )- موريس أنجرس، منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية، تر: بوزيد صحراوي وكمال بوشرف وسعيد سبعون، دار القصبة للنشر الجزائر، دط، 2006، ص142

      [5] )- موريس أنجرس، منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية، مرجع سابق، ص151.

    • خطة البحث / مرحلة تبويب البحث

      ما يميز البحث العلمي أنه من طبيعة متماسكة، فالمقدمات تتصل عضويا ومنطقيا بالنتائج، كما ترتبط فيه النتائج بالمقدمات، لذا من الضروري للباحث منذ اختياره للموضوع وتحديده لإشكالية بحثه أن يضع (تصميما) لجميع الخطوات التي يشتمل عليها بحثه.

      ويُقصد بـ(التصميم): ((عملية اتخاذ قرارات قبل ظهور المواقف التي ستنفذ فيها هذه القرارات ...وهو عبارة عن عملية توقعات متعمدة تتجه نحو إخضاع موقف متوقع تحت الضبط)).[1]

      تُعد (خطة البحث) مطلبا أساسياً قبل الشروع في أي بحث. ويمكن تعريف مخطط البحث أو خطة البحث بأنها ((وصف تفصيلي لما سوف يقوم به الباحث لاستقصاء مشكلة معينة. بمعنى آخر أنها نوع من التخطيط المستقبلي من جانب الباحث لجميع الخطوات التي يتبعها لجمع وتحليل البيانات اللازمة لدراسة المشكلة)).[2]

      ويهدف مخطط البحث إلى تقديم وصف دقيق للإجراءات والخطوات اللازمة لإنجاز البحث، ويضم مجموع الأفكار التي يود الخوض فيها. وتساعد الخطة في توليد هذه الأفكار. وما يسمى مخطط البحث هو الذي يسمى أيضا (الفهرس)، الذي يمثل الواجهة الأولى للقارئ قبل شروعه في قراءة البحث، ومن خلاله سيشكل نظرة شاملة حول البحث، لاسيما ما تعلق بمدى انسجام عناصر البحث وترتيبها وتنظيمها تنظيما منطقيا.

      تخضع خطة البحث لجملة من التعديلات أثناء القراءة، مما يجعلها خطة متغيرة وفق ما تتطلبه عملية القراءة. إذ أنّ الخطة التي تُقترح لأول مرة هي خطة مبدئية، ولا توجد خطة نهائية وتامة قبل الشروع أصلا في كتابة البحث، بل الخطة تُبنى مع تطور البحث، على أن يحتفظ الباحث بنموذج مبدئي وجوهري لا يحيد عنه.

      تقسيم موضوع البحث يعني ((تحديد الفكرة الأساسية والكلية للموضوع، تحديدا جامعاً ومانعا وواضحا، وإعطائها عنوانا رئيسا، ثم تحديد مدخل الموضوع في صورة مقدمة البحث، والقيام بتفتيت وتقسيم الفكرة الأساسية إلى أفكار فرعية وجزئية خاصة، بحيث يشكل التقسيم هيكلة وبناء البحث، ثم القيام بإعطاء العناوين الفرعية والجزئية)).[3]

      موضوع البحث

      الفكرة الأساسية/الكلية للموضوع

      مدخل الموضوع

      فكرة فرعية

      فكرة فرعية

       

       

       

       

       

       

       

       

       

       

      آلية التبويب:

      الأجزاء / الأقسام / الأبواب / الفصول / الفروع / المباحث / المطالب. ثم: أولا – ثانيا – ثالثا... ثم أ – ب – ج - ...ثم 1 – 2 – 3 ...إلخ.

      شروط التقسيم والتبويب:

      • التعمق والشمول في تأمل كامل جوانب الموضوع.
      • الترتيب المنطقي والمنهجي لعناصر البحث.
      • مرونة الخطة.
      • وجود معنى ودلالة لتوزيع عناصر البحث، وليس مجرد تجميع فوضوي لها.
      • تحقيق التقابل والتوازن بين التقسيمات الأساسية والفرعية، وكذا عدد الأبواب والفصول...إلخ


      [1] )- سيف الإسلام سعد عمر، في منهج البحث العلمي في التربية والعلوم الإنسانية، دار الفكر دمشق، ط01، 2009، ص53.

      [2] )- محمد سويلم البسيوني، أساسيات البحث العلمي في العلوم التربوية والاجتماعية والإنسانية، دار الفكر العربي القاهرة، ط01، 2013، ص447.

      [3] )- ماثيو جيدير، منهجية البحث، تر : ملكة أبيض، ص45.

    • القراءة والاقتباس وآليات توثيق المعلومات

       

      ليس البحثُ، أيّا كان، سوى نتاج لفعل "القراءة"؛ والباحثُ الحقيقي هو "قارئ حقيقي"، ومطّلع كبير، لاسيما في مجال تخصصه.

      وما يميز القراءة لدى الباحث هو وضوح أهدافها، فهي قراءة موجهة ووظيفية، لها هدف واضح وهو تحصيل المعلومات والمعارف حول موضوع البحث.

      يقول "فهد الحمود": ((إنّ تحديد الهدف من القراءة من العوامل الأساسية التي تزيد من فاعلية القراءة، وما يتحصّل منها من ثمرات وعوائد، لكن نجد كثيراً من القرّاء يُغفل مساءلة نفسه عن الهدف التفصيلي الذي يقرأ لأجله، مع أنّ تحديد ذلك بدقة مهم جدا، لتحديد ما يلائم الهدف من أنواع الكُتب، وأضرب القراءة ومستوياتها، ومن ثم رسم ما يناسبها من ذلك)).[1]

      نستخلص من هذا الاقتباس أنّ فاعلية القراءة تأتي من تحديد أهدافها ووضوحها؛ والباحث الجامعي، الذي هو بصدد كتابة مذكرة أو رسالة جامعية، هو هذا النوع من القارئ الذي يجعل للقراءة هدفا، فهو لا يقرأ لأجل تزجية الوقت.

      وتتحدد أهمية القراءة بالنسبة له، في بناء تصور البحث المبدئي، ثم في القراءة الشاملة التي ترافقه طيلة بحثه.

      وبالإضافة إلى تحديد أهداف القراءة، فالباحث هو أيضا قارئ منهجي، يمتلك طريقة في القراءة، وفي جمع المعلومات وتوثيقها وتوظيفها في البحث بعض عملية هضم لكل ما قرأه.

      يقول ألبرتو مانغويل: ((لا تكمن قدرة القراء في مقدرتهم على تجميع المعلومات ومهارتهم في الترتيب والفهرسة، بل في موهبتهم في أن يفسّروا ويربطوا ويحوّروا قراءاتهم)).[2]

      إنّ المقصود بمرحلة القراءة هي مرحلة جمع مصادر ومراجع البحث، ثم قراءتها، وتجميع المعلومات والمعارف في شكل اقتباسات وملاحظات يتم ترتيبها وفهرستها، قبل ان يتم توظيفها في البحث تلخيصا وتفسيرا ونقدا.

      الباحث والمكتبة:

      هناك علاقة تلازم بين الباحث والمكتبة؛ والمكتبة هي المكان الطبيعي الذي يعثر فيها الباحث عن مصادر بحثه، وهو أيضا مكان للقراءة، خاصة وأنّ جلّ المكتبات تتوفر على قاعات للقراءة مجهزة لتوفر للباحث ظروفا مناسبة للقراءة المُنتجة.

      وفوق هذا، فالمكتبة ليست مجرد مكان لتخزين الكتب، بل هي ((أمكنة بيبليوغرافية هامة للتعليم والبحث العلمي، وتعرف في التاريخ الإسلامي بالخزانات. فهي مكان لتنظيم الإنتاج المعرفي في كل مجالات العلم وتخصصاته، وإعداده ووضعه موضع من قبل الباحثين)).[3]

      ومن بين المهام التي تضطلع بها المكتبة هي فهرسة الكُتب وتنظيمها بما يسهّل البحث عنها، وفق آليات ترتيب عالمية، تُعتمد في أغلب المكتبات في العالم. وعلى الباحث أن يكون مُطّلعا عليها.

      لا يُمكن للباحث إذن أن يستغني عن المكتبة في مشواره الجامعي أولا، ثم طيلة رحلة البحث، وفي هذا يقول "أمبرتو إيكو": ((الباحث الجيّد هو ذاك الذي يدخل مكتبة وهو لا يعرف شيئا عن موضوع ما ثم يخرج منها وقد عرف شيئا)).[4]

      نستخلص من مقولة إيكو أنّ المكتبة هي مصدر للمعرفة، ونحن لا نذهب إليها إلا طلبا للعلم، لذا وجب احترام هذا المكان، وتقديره. كما انّ قيمة المكتبة لا تكون بعدد الكُتب التي تحتويها، ولا بهندستها الخارجية، لكن بمدى استخدام القراء للكتب التي توجد في رفوفها بحسب تعبير الفيلسوف "ليبنيتز". وللأسف، نرى بأم أعيننا كيف أصبح الطلبة الجامعيون يهجرون المكتبة الجامعية، فلا يكترثون بها، كما لو أنّ المطعم هو أكثر أهمية منها، إذ يكفي زيارة قاعة المطالعة لنكون شاهدين على أنها مكان شبه خال، إلا من القلة، وأغلب من يمثلون تلك القلة لا يأتون للقراءة أو للبحث، بل لأجل تبادل أطراف الحديث العام.

      وفي العقود الأخيرة، دخلت التكنولوجيا في مجال البحث العلمي، بما توفره من وسائل تقنية جد متطورة، ومنها ما صار يُسمى بـ"المكتبة الإلكترونية"، إذ تعدّ اليوم أحد البدائل المطروحة في المنظور البعيد، إذا لم نقل أنّها أصبحت اليوم تتيح للباحث إمكانيات أكبر للوصول إلى المصادر المعرفية بأسهل الطرق. فالكتاب الإلكتروني، أصبح أكثر الخيارات المتاحة للباحثين، لاسيما مع دخول التكنولوجيا إلى المنازل، واتصالها بشبكة الأنترنيت التي تتيح الدخول إلى أي مكتبة في العالم، او تنزيل أي كتاب في صيغته المصوّرة.

      كما أنّ التكنولوجيا أثّرت على طُرق القراءة، وغيّرت تقاليدها، على الرغم من أنّ البعض ينظر إليها بكثير من الريبة والتوجس، لكنها من الناحية الواقعية أصبحت تؤثر فعلا في علاقتنا بالكتاب وبالقراءة، وأثّرت بشكل واضح على سوق الكتاب أيضا.

      في ظل هذا الواقع الجديد، أصبحت الكُتب متوفرة، في حين كان الحصول على كتاب قد يدفع بالباحث إلى قطع مسافات طويلة.

      كيف نقرأ للبحث؟

      كخطوة أولى، يقوم الباحث بجمع ما أمكن من الكُتب والوثائق التي تستجيب لموضوع بحثه وإشكاليته. وتوجد مرحلتان:

      -    مرحلة القراءة الأولية لأجل فهم موضوع البحث واستيعاب إشكاليته، وهذه المرحلة ستساعد الباحث في بناء عناصر بحثه وخطته.

      -    مرحلة التوثيق الشامل للبحث، تمهيدا لمرحلة تخزين المعلومات وفق طُرق معينة. وفي هذه المرحلة، يقول الباحث بتجميع المصادر وتصنيفها ثم قراءتها ليمر إلى مرحلة التقميش وتدوين المعلومات في بطاقات أو كراريس مخصصة لهذا الغرض.

      يقول "العربي بلقاسم فرحاتي " عن القراءة: ((القراءة هي الخطوة الأولى في استعمال العقل وآلياته في معالجة المعلومات والوقوف على نظام التحليل الموضوعي والعلمي للمعلومات، بل هي قبل ذلك قراءة نفسية تتعلق بتكوين إحساس بمتعة القراءة واكتشاف النصوص، يوظف فيها القارئ الباحث عقله ووجدانه من أجل بناء مرجعية قيمية معيارية في فهم النص)).[5]

      وما يبرز أهمية القراءة بالنسبة للباحث هو أنّ النسبة الأكبر من البحث يقضيه الباحث في قراءة الكُتب؛ أليس البحث في الأخير هو خلاصة قراءات يقوم بها الباحث؟ من هنا، فإنّ مرحلة القراءة هي الدخول في صميم البحث. وترتفع قيمة البحث بعدد الكتب التي استعان بها الباحث، ونوعيتها كذلك.

      بقي الآن أن نجيب عن السؤال التالي: ماذا يفعل الباحث في مرحلة القراءة؟

      أوّل ما يقوم به الباحث هو بناء بيبليوغرافيا خاصة ببحثه، أي القيام بجمع المصادر والمراجع المتعلقة بموضوعه، من خلال تدوين قائمة بتلك المصادر والمراجع لتسهيل العودة إليها. وعلى الباحث هنا التسجيل في مختلف المكتبات سواء الجامعية أو التي تنتمي إلى الدور الثقافية، كما أنّ المكتبة الإلكترونية توفر الآلاف من الكتب، ويمكنه وضع ملف على حاسوبه، وتنزيل الكتب التي تخدم بحثه، ومن الأفضل أن يضعها في ملفات مختلفة حسب الموضوع أو الأهمية.

      يبدأ الباحث بالمصادر أولا، ثم تأتي المراجع بالدرجة الثانية.

      تتم عملية القراءة بمعرفة ما الذي يحتاج إليه الباحث من المصدر أو المرجع، فيستعين بفهرس الكتاب، ويحدد العناصر أو الفصول التي يحتاج إليها، وقد يكون الكتاب مهمّا بأكمله فيقرأه بالكامل، أو قد يحتاج إلى فصل أو عدد قليل من الصفحات بحسب ما يحتاج إليه من المعلومات.

      ويقدم أمبرتو إيكو نصيحة في غاية الأهمية، وهي: (( عليكم أن تقرؤوا المادة العلمية التي تحصلون عليها بنفس الإيقاع الذي يزيد فيه عدد الكتب في قائمة المراجع)).[6]

      فكلما قرأ الباحث أكثر، كلما وسّع بحثه، وأدرك خفاياه، فذلك سيساعده في التحكم فيه على نحو أفضل. ألم نقل في الدرس السابق، انّ على الباحث تجنب البحوث التي تقل فيها المراجع؟

      الاقتباس:

      تقوم المعرفة على التراكم، فلا يُبنى البحث إلاّ بالاستعانة بالذين سبقوه من الباحثين، بل إنه من الأخلاق أن يلتجئ الباحث إلى تلك الاجتهادات، عبر قراءة ما أنتجوه من نظريات أو أفكار أو فلسفات أو معارف على نحو عام.

      وتكون الاستعانة بهذه المجهودات من خلال "اقتباس" فقرات أو نصوص أو جُملو مصطلحات، وتتم العملية وفق ضوابط ومقاييس علمية ومنهجية.

      يُعدّ الاقتباس من أهم المهارات التي يجب أن يتمتع بها الباحث؛ ويُعرّف الاقتباس بأنّه ((الاستعانة بأفكار الآخرين ومعلوماتهم ومعارفهم وخبراتهم المكتوبة والمسموعة وانتقائها واقتباسها من مراجع ومصادر مكتوبة بأنواعها المختلفة أو من محاضرات ولقاءات وحوارات ومقابلات وملتقيات...إلخ وفي ضوء سياقاتها الدلالية، ثم نقلها واستخدامها في النص في شكل نصوص أو فقرات أو جُمل لتؤدي وظيفة جديدة داخل السياق النصي الجديد)).[7]

      يقوم الباحث إذن بتدوين فقرات من المصادر والمراجع، وهي تتفاوت من ناحية الحجم. إلا أنّ الغرض من ذلك، ليس مجرد تجميع للفقرات لإعادة تركيبها، بل ينبغي عليه توظيفها داخل سياق نصي جديد الذي يمثله بحثه، مع تبرير الحاجة إليها ضمن النسق التحليلي، موظفا الشرح والتفسير والتأويل وحتى الانتقاد إذا لزم الأمر ذلك. ومن جهة أخرى، تلعب هذه الاقتباسات دورا مهما في دعم أفكار الباحث أو تحليلاته، هذا حتى لا يعتقد البعض أنّ قيمة الاقتباسات تكمن في مجرد الاقتباس فقط.

      صحيح أنّ الباحث سيدمج هذا الاقتباس حرفيا في متن بحثه، بوضعه بين قوسين، أو بكتابته ببنط مغاير، إلاّ أنه ملزم بالتمهيد له، ثم بتحليل الفقرة بعدها مباشرة، ومن الخطأ مثلا، انهاء الفقرة باقتباس دون أي تعليق.

      ثم ما سيقوم به الباحث بعد كتابة هذا الاقتباس هو ترقيم الفقرة في نهاية القوس، وسيشير إلى الرقم في الهامش السفلي للصفحة نفسها، لكتابة كل المعلومات المتعلقة بالمصدر أو المرجع الذي أخذ منه ذلك الاقتباس، وفق آلية تهميش محددة، وهي كثيرة.

      لكن، لابد من التنبيه إلى خطورة التمادي في الاقتباسات؛ إذ يفترض وجود نسبة مئوية معينة، إذا تجاوزها الباحث قد لا يُجاز بحثه، بسبب غياب شخصيته كباحث وغياب لمسته وأفكاره وتحليلاته، إذ لن يكون البحث سوى تجميع لفقرات كتبها الآخرون.

      نظام البطاقات:

      بقي الآن معرفة الطريقة السليمة لتدوين الفقرات التي يأخذها الباحث من الكُتب. يلتجئ البعض إلى أي شيء يقع بين يديه: أوراق مختلفة الأحجام والألوان، كراريس، وكثيرا ما يدوّن الفقرات متناسيا مثلا كتابة المعلومات الخاصة بالمصدر.

      هناك طريقة عملية يعتمد عليها قطاع كبير من الباحثين في العالم، هي طريقة "البطاقات"؛ يقول إيكو: ((هي تلك البطاقات التي تسجلون فيها بدقة كل الإشارات المرجعية المتعلقة بكتاب او مقال. حيث تقدمون موجزا للموضوع، وتختارون بعض الفقرات الهامة وتصدرون حكما وتضيفون مجموعة من الملاحظات)).[8]

      والبطاقات هي عبارة عن أوراق مقوى متوسطة الحجم، ويجب أن تكون من نفس الحجم، ويمكن للباحث أن يجعلها بألوان مختلفة، خاصة إذا أراد مثلا أن يخصص لكل فصل لونا يميزه. يمكنه استعمال الورق الأبيض العادي، بتقطيع الورقة إلى نصفين متساويين، لكن الورق المقوى أدوم وأكثر مقاومة للتلف، إذ لا ينسى الباحث أنه بإمكانه الاحتفاظ بتلك البطاقات لاستعمالها مستقبلا في كتابة دراسات أو مقالات جديدة.

      تستعمل هذه البطاقات لكتابة الاقتباسات، لكن قبل ذلك، سيدون الباحث كل المعلومات المتعلقة بالمرجع الذي أخذ منه الاقتباس، ثم يذكر الفصل أو المبحث الذي سيوظف فيه ذلك الاقتباس، ثم لابأس أن يضع عنوانا صغيرا للفقرة التي اقتبسها.

      وبعدها، يدون الفقرة في المساحة المتبقية، وهي المساحة الأكبر، إذ يحرص على نقل الفقرة حرفيا دون إضافات أو نقصان. وعندما يفرغ لا ينسى كتابة رقم صفحة المرجع. وقد يترك مساحة صغيرة لتدوين بعض الملاحظات بلون مختلف.

      لا يكتب الباحث في الوجه الخلفي للبطاقة، كما انه لا يكتب اقتباسين في نفس البطاقة، بل عليه أن يخصص لكل بطاقة اقتباسا محددا، حتى لو تعلق الأمر بجملة صغيرة، فلا يقول الباحث إنّ هذا تبذير. كما أنه ملزم بكتابة كل معلومات الكتاب الذي اعتمد عليه مع كل بطاقة جديدة، فلا يقول أنه كتب تلك المعلومات مرة واحدة، وليس بحاجة إلى إعادة كتابة تلك المعلومات مرة ثانية. وهذا الكسل قد تكون له عواقب وخيمة مستقبلا.

      عندما يستكمل الباحث من قراءة كل مراجع بحثه، وأخذ ما يريده من الفقرات من تلك المراجع وفق هذه الطريقة، سيكون قد راكم عددا كبيرا من البطاقات، فتأتي مرحلة تنظيم هذه البطاقات وفق الفصول والمباحث، ووفق العناوين الصغيرة التي دونها في كل بطاقة، وتلك العناوين هي التي ستشكل عناصر البحث، ويمكنه تنظيمها وفق الخطة المبدئية التي سطرها، بل ستساعده في توليد عناصر جديدة لم تخطر على باله سابقا.

      إذا وصل الباحث إلى هذه المرحلة، فهذا يعني أنه مستعد للمرور إلى مرحلة تحرير مذكرته، واثقا ومطمئنا.

      يمكن للباحث الاعتماد على الحاسوب في تنظيم عملية القراءة، بتدوين اقتباساته في شكل ملفات إلكترونية. وهي أيضا عملية في غاية من الأهمية، ستوفر الوقت للباحث لاسيما في مرحلة التحرير، لكنها تنطوي على مخاطر جمة، خاصة في حالة وقوع عطل قد يلم بالحاسوب.



      [1] )- فهد الحمود، قراءة القراءة، العبيكان للنشر، ط2، 2006، ص57.

      [2] )- ألبرتو مانغويل، المكتبة في الليل، تر: أحمد. م. أحمد، دار الساقي بيروت، ط01، 2015، ص76.

      [3] )- العربي بلقاسم فرحاتي، البحث الجامعي بين التحرير والتصميم والتقنيات، دار أسامة للنشر والتوزيع الأردن، ط01، 2012، ص146.

      [4] )- أمبرتو إيكو، كيف نكتب رسالة دكتوراه، ص70.

      [5] )- العربي بلقاسم فرحاتي، البحث الجامعي بين التحرير والتصميم والتقنيات، مرجع سابق، ص193.

      [6] )- أمبرتو إيكو، ص 136

      [7] )- العربي بلقاسم فرحاتي، البحث الجامعي بين التحرير والتصميم والتقنيات، مرجع سابق، ص208.

      [8] )- أمبرتو إيكو، ص146.

    • التهميش

      لا يُوجد بحث لا يستند فيه صاحبه إلى مصادر يستقي منها معلوماته وأفكاره؛ فالبحث العلمي ليس مجرد تعبير عن ملاحظات خاصة أو انطباعات شخصية، ولو أنّ ذلك مهم، لكنه حلقة من حلقات تطور البحث نفسه، والتطور المعرفي هو عملية تراكمية؛ وحتى بالنسبة للذين يجددون في الأفكار والمناهج فهم لا يفعلون ذلك إلا بالاستناد إلى ما ألفه السابقون من أبحاث ودراسات، ولا يحدث التجاوز إلا بعد هضم هذه الأبحاث لمعرفة الناقص فيها.

      البحث، كما قلنا في دروس سابقة، هو ثمرة للقراءة، وتزداد قيمة البحث بتعدد قراءات الباحث وتنوعها وكثرتها كذلك. لكن لنقل المعلومات في شكل اقتباسات لها شروطها وضوابطها؛ إذ أنّ الباحث الجاد لا ينقل فكرة أو معلومة دون الإشارة إلى المصدر أو المرجع الذي استمد منه تلك المعلومات، ولا يهم إن كان قد أخذها حرفيا أو بتصرف، ففي كلتي الحالتين هو ملزم بذكر مصادره ومراجعه.

      يعرّف "محمد عبيدات" الهامش بأنّه ((المادة التي تظهر في أسفل الصفحة أو في نهاية الكتاب أو البحث)).[1]

      أمّا "خلف بوبكر" فعرّفه بأنّه ((تدوين المعلومات عن المصادر والمراجع وأوعية المعارف التي اقتبس منها الباحث في الهامش، وهو ذلك الجزء الذي يُترك في أسفل الصفحة ويفصل بينه وبين المتن خط أفقي يمتد إلى ثلث الصفحة تقريبا، ويكتب الهامش بمقاس أقل من مقاس خط التحرير في نص البحث دون تثخين)).[2]

      فالتهميش إذن، من خلال التعريفين، هو ما يُدوّن أسفل الصفحة أو في نهاية الفصل أو البحث، وما يدوّن هناك هو:

      -         المعلومات المتعلقة بالمصادر والمراجع المعتمدة عليها.

      -    الملاحظات والتعقيبات والإضافات في شكل استدراكات أو استطرادات، يلتجئ إليها الباحث لتوضيح فكرة ما أو التعريف بمفهوم أو بعلم من الأعلام. ويكتبها في الهامش حتى يتجنب التشويش على تركيز القارئ في المتن.

      لماذا نُهمّش؟

      -    إحقاق الأمانة العلمية، ذلك أنّ ذكر المصادر والمراجع التي أخذ منها الباحث معلوماته هو واجب أخلاقي قبل أن يكون علميا. ومن جهة أخرى، يؤكّد على أنّ طبيعة المعرفة أنها "تراكمية".

      -    التسهيل على القارئ للعودة إلى مصادر البحث إذا أراد التأكد من صحة تلك المعلومات أو إذا أراد توسيع فهمه أكثر؛ فالاقتباسات كثيرا ما تُفصل من سياقاتها، وقد يحدث أن يجد القارئ صعوبة في فهمها، فيعود إلى مصدرها الأول فيقرأها على ضوء السياق الذي أخذت منه.

      -    تحرير الباحث من تحمل مسؤولياته اتجاه بعض الأفكار، خاصة إذا كانت ذات طابع أيديولوجي أو سياسي أو ديني؛ فالإحالة إلى المصدر يعني أنه ليس هو صاحب تلك الفكرة.

      -          

      كيف نهمّش؟

      توجد طرق عديدة للتهميش، وهي طرق متفق عليها من قبل المجتمع المعرفي في العالم، وهي مختلفة باختلاف المدارس والبلدان.

      بالنسبة لنا، سنعتمد على هذه الطريقة المعمول بها على نطاق واسع؛ فقط لابد من التذكير بمسألة جوهرية وهي أن على الباحث إذا اختار طريقة من طرق التهميش أن يلتزم بها طيلة البحث ولا يغيرها.

      المثال:

      -    رينيه فان وايدنبرغ، إبستيمولوجيا القراءة والتأويل، تر: نجيب الحصادي، منشورات نادي الكتاب، المملكة العربية السعودية، ط01، 2024، ص

      -    فتحي المسكيني، الايمان الحر أو ما بعد الملة مباحث في فلسفة الدين، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، المملكة المغربية، ط01، 2018، ص

       

       

       



      [1] )- محمد عبيدات وآخرون، منهجية البحث العلمي القواعد والمراحل والتطبيقات، دار وائل للنشر الأردن، ط02، 1999، ص

      [2] )- خلف بوبكر، منهجية إعداد البحث العلمي الأكاديمي الناجح، منصور الواد ط01، 2022، ص47.

    • الدرس السابع

      تحرير المذكرة ومكوناتها

      تمثل مرحلة تحرير المذكرة، مرحلة تجسيد الأفكار والقضايا والإجابة عن إشكالية البحث وعن أسئلته.

      في هذه المرحلة، يشرع الباحث في اختبار فرضياته، وتوظيف جل المعلومات التي جمعها في مرحلة القراءة.

      ستواجه الباحث مجموعة من التحديات، لعل أهمها: أسلوب الكتابة، والقدرة على التحليل والتفسير والتأويل؛ علما أنّ البحث في الحقل الأدبي، لا يكتفي بالمنهج بل يتعداه إلى ذكاء الباحث وإحساسه بمكامن الجمال.

      أما أكبر عقبة تواجه الباحث فهي اللغة التي سيكتب بها؛ فلابد أن تكون لغة متخصصة، تتناسب وموضوع البحث من حيث توظيفه للمصطلحات المناسبة، ناهيك عن سلامة اللغة، ففي السنوات الأخيرة، لاحظنا الضعف الذي يعاني منه الطالب على مستوى اللغة، بسبب فقر معجمه اللغوي، وعجزه عن بناء الجمل، والفقرات، وبذلك عن بناء نص منسجم ومتسق.

      في مرحلة التحرير، يحتاج الباحث إلى ظروف ملائمة للكتابة، فما يساعد على التركيز هو الهدوء، لهذا من الأفضل له أن يختار المكان والتوقيت المناسبين للكتابة.

      مكونات المذكرة:

      تتكون المذكرة من العناصر التالية:

      1-  الغلاف الأمامي، وفيه يتم تدوين عنوان المذكرة واسم الطالب واسم المشرف، ناهيك عن ذكر الجامعة التي ينتسب إليها والسنة الجامعية.

      2-   الإهداء.

      3-  مقدمة: وهي آخر ما يكتبه الباحث لأنها تضم التصور النهائي للبحث، وفيه يذكر الباحث بؤرة بحثه وأهميته وفصول البحث والعراقيل التي واجهته. على أن يحرص على عدم إصدار أي أحكام أو تقديم تفاصيل حول البحث.

      4-   فصول البحث.

      5-   خاتمة البحث.

      6-   قائمة المصادر والمراجع والتي تخضع لترتيب معين.

      7-   فهرس البحث أو محتويات البحث.

      8-  وفي الغلاف الخلفي يكتب ملخصا بالعربية وآخر بلغة أجنبية (فرنسية – انجليزية) وكلمات مفتاحية.

      على الباحث مراجعة بحثه جيدا للتأكد من خلوه من الأخطاء قبل أن يسلمه للإدارة.

       

       

       

  • Section 2

  • Section 3

  • Section 4