التهميش
لا يُوجد بحث لا يستند فيه صاحبه إلى مصادر يستقي منها معلوماته وأفكاره؛ فالبحث العلمي ليس مجرد تعبير عن ملاحظات خاصة أو انطباعات شخصية، ولو أنّ ذلك مهم، لكنه حلقة من حلقات تطور البحث نفسه، والتطور المعرفي هو عملية تراكمية؛ وحتى بالنسبة للذين يجددون في الأفكار والمناهج فهم لا يفعلون ذلك إلا بالاستناد إلى ما ألفه السابقون من أبحاث ودراسات، ولا يحدث التجاوز إلا بعد هضم هذه الأبحاث لمعرفة الناقص فيها.
البحث، كما قلنا في دروس سابقة، هو ثمرة للقراءة، وتزداد قيمة البحث بتعدد قراءات الباحث وتنوعها وكثرتها كذلك. لكن لنقل المعلومات في شكل اقتباسات لها شروطها وضوابطها؛ إذ أنّ الباحث الجاد لا ينقل فكرة أو معلومة دون الإشارة إلى المصدر أو المرجع الذي استمد منه تلك المعلومات، ولا يهم إن كان قد أخذها حرفيا أو بتصرف، ففي كلتي الحالتين هو ملزم بذكر مصادره ومراجعه.
يعرّف "محمد عبيدات" الهامش بأنّه ((المادة التي تظهر في أسفل الصفحة أو في نهاية الكتاب أو البحث)).[1]
أمّا "خلف بوبكر" فعرّفه بأنّه ((تدوين المعلومات عن المصادر والمراجع وأوعية المعارف التي اقتبس منها الباحث في الهامش، وهو ذلك الجزء الذي يُترك في أسفل الصفحة ويفصل بينه وبين المتن خط أفقي يمتد إلى ثلث الصفحة تقريبا، ويكتب الهامش بمقاس أقل من مقاس خط التحرير في نص البحث دون تثخين)).[2]
فالتهميش إذن، من خلال التعريفين، هو ما يُدوّن أسفل الصفحة أو في نهاية الفصل أو البحث، وما يدوّن هناك هو:
- المعلومات المتعلقة بالمصادر والمراجع المعتمدة عليها.
- الملاحظات والتعقيبات والإضافات في شكل استدراكات أو استطرادات، يلتجئ إليها الباحث لتوضيح فكرة ما أو التعريف بمفهوم أو بعلم من الأعلام. ويكتبها في الهامش حتى يتجنب التشويش على تركيز القارئ في المتن.
لماذا نُهمّش؟
- إحقاق الأمانة العلمية، ذلك أنّ ذكر المصادر والمراجع التي أخذ منها الباحث معلوماته هو واجب أخلاقي قبل أن يكون علميا. ومن جهة أخرى، يؤكّد على أنّ طبيعة المعرفة أنها "تراكمية".
- التسهيل على القارئ للعودة إلى مصادر البحث إذا أراد التأكد من صحة تلك المعلومات أو إذا أراد توسيع فهمه أكثر؛ فالاقتباسات كثيرا ما تُفصل من سياقاتها، وقد يحدث أن يجد القارئ صعوبة في فهمها، فيعود إلى مصدرها الأول فيقرأها على ضوء السياق الذي أخذت منه.
- تحرير الباحث من تحمل مسؤولياته اتجاه بعض الأفكار، خاصة إذا كانت ذات طابع أيديولوجي أو سياسي أو ديني؛ فالإحالة إلى المصدر يعني أنه ليس هو صاحب تلك الفكرة.
-
كيف نهمّش؟
توجد طرق عديدة للتهميش، وهي طرق متفق عليها من قبل المجتمع المعرفي في العالم، وهي مختلفة باختلاف المدارس والبلدان.
بالنسبة لنا، سنعتمد على هذه الطريقة المعمول بها على نطاق واسع؛ فقط لابد من التذكير بمسألة جوهرية وهي أن على الباحث إذا اختار طريقة من طرق التهميش أن يلتزم بها طيلة البحث ولا يغيرها.
المثال:
- رينيه فان وايدنبرغ، إبستيمولوجيا القراءة والتأويل، تر: نجيب الحصادي، منشورات نادي الكتاب، المملكة العربية السعودية، ط01، 2024، ص
- فتحي المسكيني، الايمان الحر أو ما بعد الملة مباحث في فلسفة الدين، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، المملكة المغربية، ط01، 2018، ص